الغاز الطبيعي: مخرج أم مأزق للطاقة في المغرب؟
في وقت يشهد فيه العالم اهتمامًا متزايدًا بتأمين وتنويع مصادر الطاقة، يعاني المغرب من تأخر كبير في قطاع المحروقات والتنقيب عن الغاز الطبيعي، وفقًا لتقرير حديث صادر عن المجلس الأعلى للحسابات.
كشف التقرير عن ضعف وتيرة عمليات التنقيب في المغرب مقارنة بالمعايير العالمية، حيث أشار إلى أن البلاد لا تزال بعيدة عن تحقيق اكتشافات كبرى يمكن أن تعزز من استقلالها الطاقي. وهذا يفاقم من تبعيتها للأسواق العالمية وتذبذب أسعار الطاقة.
ووفقًا للتقرير، فإن كثافة الآبار المنجزة في المغرب لا تتجاوز 4 آبار لكل 10,000 كيلومتر مربع، وهو رقم ضئيل للغاية مقارنة بالمعدل العالمي الذي يصل إلى 1,000 بئر لكل 10,000 كيلومتر مربع.
كما تظهر الفجوة بشكل جلي مقارنة بالدول المجاورة، مثل موريتانيا والسنغال، التي شهدت تقدما ملحوظًا في التنقيب البحري.
رغم الاستراتيجية الطاقية الوطنية التي أُطلقت منذ أكثر من عقد، إلا أن التقرير أشار إلى أن عدد الآبار المنجزة حتى نهاية عام 2023 بلغ 374 بئرًا فقط.
كما أن الاستثمارات السنوية في مجال التنقيب لم تتجاوز 1.78 مليار درهم خلال الفترة من 2009 إلى 2022.
وبالنسبة للاكتشافات الغازية، فقد أحرز المغرب بعض التقدم المحدود، وخاصة في منطقتي تندرارة وطنجة-العرائش، حيث تُقدر الموارد المكتشفة بنحو 10 و18 مليار متر مكعب على التوالي.
لكن استغلال هذه الموارد يتطلب استثمارات ضخمة تصل إلى 14.7 مليار درهم، وهو ما قد يساهم في زيادة الإنتاج من 100 مليون متر مكعب سنويًا إلى 900 مليون متر مكعب، مما يقلل من عبء التبعية الطاقية، ولو بشكل نسبي.
وعلى صعيد المخزون الاستراتيجي، يعاني المغرب من ضعف في مخزون المواد البترولية، مما يعرض الاقتصاد الوطني لتقلبات الأسعار العالمية.
وقد أشار التقرير إلى أن مخزون الغازوال يغطي فقط 32 يومًا، ومخزون البنزين 37 يومًا، وغاز البوتان 31 يومًا، في حين أن الحد الأدنى القانوني للمخزون يجب أن يغطي 60 يومًا.
مما يبرز ضرورة تحسين آليات مراقبة وإدارة المخزون الاحتياطي لضمان استقرار الأسعار.
أما في ما يتعلق بالنجاعة الطاقية، فقد أشار التقرير إلى التحديات المرتبطة بتحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية التي تهدف إلى تقليص استهلاك الطاقة بنسبة 20% بحلول عام 2030، حيث لم يتجاوز التقدم المحرز 5% حتى الآن.
لذلك، دعا المجلس إلى تسريع تنفيذ استراتيجيات النجاعة الطاقية وتطوير إطار قانوني محفز لجذب الاستثمارات في هذا القطاع.
كما أكد التقرير على أهمية تحسين حكامة القطاع الطاقي، وتعجيل تنفيذ إصلاحات سوق الغاز الطبيعي، بهدف وضع إطار قانوني شامل يعزز من جذب الاستثمارات ويوفر بيئة تنافسية وشفافة.
في ضوء الضغوط المتزايدة لتحقيق الالتزامات المناخية، يعد الانتقال إلى الغاز الطبيعي خيارًا استراتيجيًا لتقليل الاعتماد على الفحم الذي لا يزال يشكل الجزء الأكبر من مزيج الطاقة الوطني.
على الرغم من الجهود المبذولة، فإن بطء تنفيذ الاستراتيجيات الوطنية يهدد قدرة المغرب على مواجهة التحديات الطاقية المستقبلية.
وعليه، فإن الاستثمار في التنقيب عن الغاز، تعزيز المخزون الاستراتيجي، وتسريع تطبيق إصلاحات النجاعة الطاقية ستكون محاور أساسية لتحقيق الأمن الطاقي وتعزيز الاستقلال الاقتصادي.