السردين بالمغرب..من غذاء الفقراء إلى رفاهية لا يقدر عليها الجميع
يُمثل قطاع الثروة السمكية في المغرب إحدى الركائز الحيوية للاقتصاد الوطني، حيث يتميز بتنوع بيولوجي بحري غني نظراً لموقعه الجغرافي المتميز المطل على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي.
ومع ذلك، فإن الارتفاع الملحوظ في أسعار الأسماك، لا سيما السردين، أثار قلقاً واسعاً بين المستهلكين، ما يستدعي دراسة متأنية للأسباب الكامنة وراء هذا الارتفاع، واستكشاف سبل تعظيم الفوائد الاقتصادية والاجتماعية لهذا القطاع لصالح الجميع.
في الفترة الأخيرة، شهدت الأسواق المحلية ارتفاعاً في أسعار الأسماك؛ إذ وصل سعر الكيلوغرام الواحد من السردين إلى 25 درهماً في بعض المدن، بينما تجاوزت أسعار الصناديق 400 درهم في آسفي و500 درهم في الصويرة.
و يأتي ذلك في وقتٍ يسهم فيه قطاع الصيد البحري بما يقرب من 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب، ويوفر حوالي 220,000 فرصة عمل مباشرة و500,000 فرصة عمل غير مباشرة، بحسب تقرير نشرته “جون أفريك”.
يُعد المغرب أكبر منتج للأسماك في إفريقيا، حيث يمتد ساحله على أكثر من 3400 كيلومتر متأثراً بتيار جزر الكناري البارد، مما يجعله موطناً لمجموعة متنوعة من الأنواع البحرية تصل إلى أكثر من 1200 نوع، بما في ذلك السردين والميرلو واللوبستر.
عرف قطاع الصيد البحري بالمغرب تطوراً كبيراً منذ العصور القديمة، وتحديداً بعد الاستعمار الفرنسي في عام 1912، حيث سُنّت قوانين لتنظيم القطاع، وشهدت العقود التالية ازدهاراً في عدد قوارب الصيد، إذ وصل عددها إلى 930 قارباً بحلول عام 1949.
وبعد الاستقلال، استمر القطاع في التحديث والتطوير، فتم تأسيس معهد الصيد البحري المغربي لتحسين تقنيات الصيد، وإنشاء وزارة متخصصة لإدارة هذا القطاع الحيوي عام 1981.
ورغم هذه الإنجازات، ما زال القطاع يواجه تحديات كبيرة تهدد استدامته، مثل التلوث، وتغير المناخ، والصيد الجائر.
إلا أن اتفاقية الصيد مع الاتحاد الأوروبي ساعدت في تعزيز القطاع، حيث يُوجه نحو 80% من الصادرات البحرية المغربية إلى السوق الأوروبي، مما يُبرز الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية لهذا المورد الطبيعي.
كمال صبري، رئيس غرفة الصيد البحري الأطلسية الشمالية، أكد أن المغرب يُشكل نموذجاً رائداً في إدارة المصايد على مستوى إفريقيا، إذ تمتلك المصانع المغربية اعتمادات من المصالح البيطرية الأوروبية، ما يُسهّل تصدير المنتجات إلى الأسواق الخارجية.
ومع إنتاج سنوي يبلغ 1.6 مليون طن، فإن متوسط استهلاك الفرد في المغرب لا يزال أقل من المعدل العالمي، مما يشير إلى الحاجة لتعزيز سلاسل التوريد وتخفيض الأسعار لضمان وصول الأسماك إلى المستهلكين بأسعار معقولة، وبالتالي دعم التنمية المستدامة لهذا القطاع الأساسي.