السباق إلى الهاوية .. كيف تسلمت الأرجنتين راية التضخم الجامح من فنزويلا؟
أخيرًا، تخلت فنزويلا عن لقب الدولة الأسوأ في مستويات التضخم في أمريكا الجنوبية، بعد سنوات من النظر إليها باعتبارها مثالاً على الانهيار الاقتصادي والارتفاعات الجنونية للأسعار.
وحلت الأرجنتين بدلًا من فنزويلا في صدارة القائمة خلال شهر ديسمبر الماضي، مع بدء تنفيذ الرئيس الجديد خططه التي ترتكز على سياسة العلاج بالصدمة.
قفزة حادة للتضخم
– كشفت بيانات هيئة الإحصاءات في الأرجنتين أن التضخم السنوي تجاوز 211% في ديسمبر الماضي، وهو أعلى مستوى منذ تسعينيات القرن الماضي، ومقابل 160.9% في نوفمبر.
– تستمر معدلات التضخم السنوي في الأرجنتين في تجاوز مستويات 100% منذ فبراير 2023.
– على أساس شهري، بلغ التضخم في الأرجنتين 25.5% في ديسمبر، وهي أسوأ قراءة منذ عام 1991، مقابل 12.8% في نوفمبر، لكنه جاء أقل من التوقعات البالغة 30%.
– قادت الخدمات وتيرة الزيادات الشهرية للأسعار في الأرجنتين بنحو 32.7%، يليها الصحة والنقل والطعام والشراب بحوالي 32.6% و31.7% و29.7% على الترتيب.
– جاءت قفزة التضخم في الأرجنتين بعد خفض قيمة العملة المحلية “البيزو” في ديسمبر، عقب أيام قليلة من تولي الرئيس الليبرالي “خافير مايلي” مهام منصبه.
– تعهد “مايلي” بالسيطرة على التضخم الجامح في الأرجنتين من خلال تدابير تقشفية حادة.
– خفض البنك المركزي في الأرجنتين معدلات الفائدة إلى 100%، في تحول للسياسة النقدية عقب تولي “مايلي” مهام منصبه.
العلاج بالصدمة يفاقم الأزمة
– رغم حقيقة أن التضخم الحاد يطارد الأرجنتين منذ سنوات، فإن معدل زيادة الأسعار شهد تسارعًا ملحوظاً في الفترة الأخيرة لمستويات غير مسبوقة منذ أزمة تسعينيات القرن الماضي.
– ينبع التضخم الحاد والمزمن في الأرجنتين من اعتماد الحكومات السابقة على طباعة النقود لتمويل الإنفاق، وهي الممارسات التي انتقدها الرئيس الجديد مرارًا خلال حملته الانتخابية قبل توليه المنصب.
– لكن ضغوط الأسعار تفاقمت في الشهر الماضي، مع سعي الرئيس الجديد الذي تولى منصبه في العاشر من ديسمبر الماضي إلى استخدام إجراءات تقشف صارمة للسيطرة على التضخم وتقليص العجز المالي وضبط المالية العامة للدولة.
– خفضت الحكومة الجديدة في الأرجنتين سعر الصرف الرسمي بنحو 54%، مع إلغاء ضوابط الأسعار على مئات المنتجات الاستهلاكية، ما تسبب في زيادة أسعار المواد الغذائية بشكل خاص.
– وصل سعر الصرف الرسمي إلى نحو 815 بيزو لكل دولار، بينما صعد في السوق الموازية إلى 1150 بيزو.
– أقر “مايلي” إلغاء الدعم عن المرافق والنقل وزيادة الضرائب، ضمن إجراءات أخرى تستهدف تدعيم نظام الاقتصاد الحر وإنهاء عجز الموازنة.
– كما أوقف الرئيس الجديد طباعة النقود بشكل حاد والتي كانت سمة أساسية قبل انعقاد الانتخابات الرئاسية.
– لكن “مايلي” أشار إلى أن السيطرة على التضخم ستحتاج وقتًا، محذرًا من أن الأمور قد تزداد سوءًا قبل أن تتحسن.
غضب شعبي ومباركة الصندوق
– رفع “مايلي” خلال حملته الانتخابية شعار “لا يوجد مال”، مكررًا أن الأرجنتين تخاطر بالانزلاق في حالة من التضخم الجامح إذا لم تخفض الإنفاق بشكل حاد.
– لكن الإجراءات التقشفية التي اتخذها الرئيس الجديد أثارت غضب كثير من المواطنين الذين قاموا بوقفات احتجاجية في الشوارع، بالإضافة إلى النقابات العمالية التي دعت إلى إضراب عام في الرابع والعشرين من يناير.
– بالفعل، يقبع نحو 40% من الأرجنتينيين تحت خط الفقر، وسط تراجع حاد في القدرة الشرائية والطلب الإجمالي.
– تستعد الأرجنتين لإصدار أوراق نقدية بفئات أكبر من العملة المحلية “البيزو”، في محاولة لتبسيط المعاملات اليومية التي تتطلب حالياً حمل حقائب مليئة بالنقود للقيام بمشتريات يومية.
– قال البنك المركزي في الأرجنتين، إنه وافق على إصدار أوراق مالية من فئة 10 و20 ألف بيزو، لجعل النظام المالي أكثر كفاءة وتقليل تكاليف امتلاك الفئات القديمة والتي كانت أعلى فئة منها تبلغ 2000 بيزو.
– أصبحت الأرجنتين تعتمد بشكل غير رسمي على الدولار الأمريكي في العديد من المعاملات اليومية، لكن الحصول عليه ما زال مكلفًا بالنسبة للأرجنتينيين، مع استمرار وجود حاجة إلى العملة المحلية للقيام بالمهام اليومية مثل شراء البقالة وتناول الطعام والنقل وغيرها.
– لكن صندوق النقد أبدى رضاه عن خطط الحكومة الأرجنتينية الجديدة، حيث وافق مؤخرًا على مراجعة لبرنامج بقيمة 44 مليار دولار مع الدولة اللاتينية، ما يمهد الطريق لصرف شريحة أكبر من المتوقع بنحو 4.7 مليار دولار.
– يتوقع الصندوق أن تؤدي خطة العلاج بالصدمة من قبل الرئيس “مايلي” إلى زيادة الأسعار في الأشهر المقبلة، قبل أن تتحسن مستويات التضخم بشكل تدريجي مع إعادة الدولة بناء مصداقيتها.
منافسة على لقب الأسوأ
– بعد القراءة الأخيرة للتضخم، تجاوزت الأرجنتين معدل ارتفاع الأسعار في جارتها فنزويلا، والتي لطالما كانت بمثابة مثال حي لأزمة التضخم عالمياً.
– تشير الأرقام الأخيرة إلى أن التضخم في فنزويلا تباطأ إلى نحو 190% بنهاية العام الماضي، بعد سنوات من ارتفاع الأسعار المؤلم والخارج عن السيطرة.
– قال المرصد المالي الفنزويلي (OVF) إن تقديراته تشير إلى تباطؤ التضخم في البلاد إلى 193%، مع انخفاض قيمة عملة البوليفار بوتيرة أقل من المسجل سابقًا، بالإضافة إلى سياسة عدم رفع الرواتب منذ مايو 2022.
– رغم استمرار التضخم عند مستويات مرتفعة في فنزويلا، فإنها تمثل تراجعًا ملحوظاً مقارنة بالمسجل في عام 2022 عند 234% وحوالي 686% في العام السابق له.
– تكافح فنزويلا من أجل احتواء التضخم، بعد أن كسرت البلاد في بداية عام 2022 واحدة من أسوأ نوبات التضخم المفرط في التاريخ، حيث بلغ ذروة قياسية تجاوزت مستوى المليون بالمئة في عام 2018.
– شهدت فنزويلا قبل سنوات شحًا في العملات الأجنبية جراء العقوبات الأمريكية التي استهدفت صادرات النفط، ما دفع حكومة الرئيس “نيكولاس مادورو” لطباعة المزيد من النقود، ليشهد التضخم تسارعًا حادًا.
– عانى اقتصاد فنزويلا من انهيار شامل وطويل، ما تضمن تضخما جامحا وهجرة جماعية لملايين المواطنين، بالإضافة إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 80% في الفترة بين عامي 2013 و2021.
– لكن الإدارة الأمريكية قامت بتخفيف القيود المفروضة على فنزويلا، ما أدى إلى تحسين الوضع المالي للبلاد، وساعد البنك المركزي على دعم استقرار العملة من خلال بيع مليارات الدولارات في سوق الصرف، ما خفف الضغوط على الأسعار.
– على أساس شهري، بلغ التضخم في فنزويلا 2.5% فحسب في ديسمبر الماضي، وهو الشهر العاشر على التوالي الذي يشهد معدلات تضخم من رقم أحادي.
هل تستمر الفجوة في الاتساع؟
– يتوقع اقتصاديون أن التضخم الشهري في الأرجنتين قد يكون قريبًا من الذروة، مع احتمالية أن يؤدي الركود المتزايد إلى إبطاء وتيرة ارتفاع الأسعار.
– ذكر صندوق النقد الدولي أن اقتصاد الأرجنتين قد ينكمش بنحو 2.5% في العام الجاري.
– قال “فرناندو مارول” مدير شركة الاستشارات المالية “إف إم واي إيه” إن القوة الشرائية للأرجنتينيين انخفضت بنحو 10% في ديسمبر الماضي، مع ارتفاع الأجور بوتيرة أبطأ من الأسعار.
– يعتقد “مارول” أن التضخم والنشاط الاقتصادي سيواصلان المعاناة خلال شهري يناير وفبراير على الأقل، قبل أن تحدث انتعاشة محتملة في حال نجاح الخطة الاقتصادية للرئيس الجديد.
– يتوقع “فاوستو سبوتورنو” مدير الأبحاث الاقتصادية في “أورلاندو جيه فيريريس” تسارع التضخم السنوي في الأرجنتين إلى مستوى 500% خلال النصف الأول من هذا العام.
– لكن محللين يعتقدون أن تقارب معدلات التضخم بين الأرجنتين وفنزويلا قد يكون قصير الأجل، في حال نجاح خطة “مايلي” لإنقاذ اقتصاد بلاده.
– قال “بيتر ويست” المستشار الاقتصادي في “إي إم فاندينج”، إن فنزويلا لا تمتلك أي استراتيجية مناسبة لضبط الأوضاع المالية.
– أشار “ويست” إلى أنه على النقيض من ذلك، لدى الأرجنتين برنامج استقرار صارم يعتمد على ركيزة مالية قوية ويدعمه صندوق النقد الدولي، لكنه اعترف بأن دخول خطط “مايلي” حيز التنفيذ يواجه مخاطر مرتفعة.
– من جانبه، قال المتحدث باسم الرئاسة الأرجنتينية، إنه من المرجح أن يظل التضخم الشهري في الأرجنتين مكونا من رقمين في الأشهر القليلة المقبلة.
– في حين أشار المسؤول إلى أن التضخم سيظل عند مستويات مرتفعة واصفًا القراءة الأخيرة بأنها “مروعة”، فإنه شدد على أنها جاءت أفضل مما كان يخشاه البعض.