الديون الدولية: عبء يهدد اقتصادات الدول النامية
عند الحديث عن انهيار الدول، لا تُعد الحروب أو الكوارث الطبيعية هي الأسباب الوحيدة، فالأرقام قد تسهم بشكل كبير في هذا الأمر.
و إن ارتفاع الديون في بعض البلدان يمثل ضررًا بالغًا لاقتصاداتها، ويُحدّ من طموحات شعوبها، ما قد يؤدي بها إلى حافة الانهيار.
في عالم يتسارع فيه الاقتراض، تتحول الديون الدولية إلى أداة قاتلة في كثير من الأحيان بدلاً من أن تكون وسيلة لإنقاذ الاقتصاد.
وتصبح هذه الديون قيدًا ضاغطًا على اقتصادات الدول الضعيفة، مما يدفعها نحو التدهور والانهيار.
ومنذ اندلاع الأزمات العالمية، إلى جانب تباطؤ النمو الاقتصادي، استمر الدين العام العالمي في التزايد بسرعة. التساؤل الذي يطرحه الكتاب الاقتصادي “جوزيف ستيغليتز” في مؤلفه “اقتصاد الفوضى” وهو: “كيف يمكن لدولة أن تطمح للنمو بينما هي تحت رحمة دائنيها؟” يعكس الواقع القاسي الذي يواجهه العديد من الدول النامية.
تشكّل الديون الدولية تحديًا خطيرًا للاقتصادات الهشة، حيث تؤثر في التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي والسياسي على حد سواء.
ومع تزايد الاعتماد على القروض الدولية لتمويل المشاريع التنموية وسد العجز المالي، يجب على الحكومات التي تسعى لتوقيع عقود من هذا النوع أن تكون على دراية كاملة بتداعيات هذه الديون وكيفية إدارتها لضمان استدامة اقتصادها.
حجم الدين العام في العالم منذ عام 2016 |
||
السنة |
|
حجم الدين العام العالمي (بالتريليون دولار) |
2016 |
|
64 |
2017 |
|
67 |
2018 |
|
71 |
2019 |
|
73 |
2020 |
|
84 |
2021 |
|
92 |
2022 |
|
92 |
2023 |
|
97 |
وأشار تقرير البنك الدولي الأخير إلى أن نمو الدين العام بشكل مفرط أصبح عبئًا كبيرًا، خاصة على الدول النامية.
وأوضح التقرير أن ارتفاع أسعار الفائدة العالمية منذ عام 2022 زاد من الضغوط المالية على ميزانيات الدول النامية، ما جعل أعباء الديون تتفوق على النفقات الحكومية الأساسية مثل الصحة والتعليم والعمل المناخي.
وأوضح البنك أن الدين العام العالمي ارتفع إلى 97 تريليون دولار في 2023، بزيادة قدرها 5.6 تريليون دولار مقارنة بالعام السابق.
و تستعين العديد من الدول بالديون الدولية، وهي قروض تأتي من مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أو من دول أخرى أو أسواق المال العالمية.
والهدف الأساسي من الحصول على هذه القروض هو سد عجز الموازنة وتمويل مشاريع التنمية والبنية التحتية، بالإضافة إلى دعم القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم.
لكن تراكم هذه الديون قد يؤدي في نهاية المطاف إلى نتائج عكسية، حيث تتفاقم أعباء سداد الدين مما يضر باقتصاد الدول المقترضة. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة وتراجع النمو إلى زيادة تكلفة خدمة الديون، ما يفرض تحديات مالية خطيرة على الدول النامية.
أعلى الدول مديونية للبنك الدولي (حتى نهاية عام 2022) |
||||
الترتيب |
|
الدولة |
|
حجم الدين (بالمليار دولار أمريكي) |
1 |
|
الهند |
|
38.2 |
2 |
|
إندونيسيا |
|
20.6 |
3 |
|
بنجلاديش |
|
18.2 |
4 |
|
باكستان |
|
18.1 |
5 |
|
الصين |
|
16.1 |
6 |
|
البرازيل |
|
16 |
7 |
|
المكسيك |
|
15.6 |
8 |
|
كولومبيا |
|
15.1 |
9 |
|
فيتنام |
|
15.1 |
10 |
|
نيجيريا |
|
13.9 |
و تشمل تأثيرات الديون الدولية على الدول النامية تأثيرات اقتصادية واجتماعية متشابكة. من أبرز هذه التأثيرات، تخصيص نسبة كبيرة من الإيرادات لسداد الديون، ما يحد من القدرة على الاستثمار في القطاعات التنموية، كما يساهم في انخفاض قيمة العملات المحلية وزيادة التضخم.
كما يؤدي الضغط الناتج عن هذه الديون إلى تراجع التصنيف الائتماني، مما يرفع من تكلفة الاقتراض ويقلل من قدرة الدول على جذب الاستثمارات الأجنبية.
وبالإضافة إلى ذلك، يتسبب ارتفاع الديون في تقليص الإنفاق الاجتماعي على الصحة والتعليم والخدمات العامة، ما يؤدي إلى تدهور مستوى المعيشة وارتفاع معدلات البطالة والفقر.
تتفاقم الأزمات الاقتصادية في الدول المثقلة بالديون، كما حدث في سريلانكا عام 2022، حيث عجزت عن سداد ديونها الخارجية مما أدى إلى نقص حاد في الوقود والمواد الغذائية، وتسبب في احتجاجات واسعة.
كما واجهت زامبيا في نفس الفترة تحديات مماثلة عندما تخلفت عن سداد ديونها الخارجية، ما أسفر عن تدهور الاقتصاد وزيادة الفقر.
وفي لبنان، أدت أزمة الديون في 2020 إلى تدهور العملة المحلية بشكل غير مسبوق وتضخم مفرط، مع تراجع كبير في مستوى الخدمات العامة. وتعد الأرجنتين وباكستان أيضًا من الدول التي تأثرت بشدة من أزمات الديون.
و هناك عدة عوامل تساهم في تزايد حجم الديون الدولية لدى الدول النامية، ومنها سوء الإدارة الاقتصادية، حيث يؤدي غياب التخطيط السليم إلى الاعتماد المفرط على القروض.
كما تفاقمت الأزمة نتيجة للأزمات العالمية مثل جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، إضافة إلى آثار التغيرات المناخية التي جعلت العديد من الدول عرضة للكوارث الطبيعية التي زادت من أعبائها المالية.
رغم تحديات الديون، يمكن للدول النامية تجاوز هذه الأزمة إذا قدم الدائنون ترتيبات مرنة تسمح بتقسيط الديون أو خفض الفوائد.
كما ينبغي على الدول المتقدمة أن تتبنى سياسات تدعم الاقتصادات الضعيفة من خلال تقليص الاعتماد على القروض بشروط قاسية.
وتدعو المنظمات الدولية إلى تبني سياسات مالية عادلة على مستوى العالم، تقوي الاقتصادات الضعيفة عبر خفض الديون وتأجيل السداد، مع توفير تمويلات ميسرة لدعم التنمية المستدامة.
كما يجب على الدول النامية توجيه القروض نحو مشاريع تنموية تسهم في تعزيز الإنتاجية وزيادة الإيرادات الحكومية، وبالتالي تقليل الاعتماد على القروض الخارجية.
في الختام، تعتبر الديون الدولية سيفًا ذا حدين. إذا تم إدارتها بحكمة، يمكن أن تسهم في تطوير الاقتصاد، لكن في حال تزايدت بشكل غير مدروس، فإنها قد تتحول إلى عبء ثقيل يهدد استقرار هذه الدول ويعرقل نموها المستدام.