الدولار في مواجهة رغبة ترامب في إنهاء قوته والخطط الاقتصادية المعرقلة
أثناء الأزمة المالية العالمية 2008 كان شراء يورو واحد يتطلب حوالي 1.6 دولار، لكن حاليًا وقت كتابة التقرير يمكن شرائه مقابل 1.09 دولار تقريبًا، وهو ما يعكس طبيعة سوق صرف العملات الأجنبية التي تتسم بالتذبذب وحساسيتها الشديدة للأحداث والسياسات.
ومن الملاحظ في الأشهر الأخيرة، تزايد الحديث والتصريحات – سواء الداعمة أو المناهضة – لدعوات إضعاف قيمة الدولار، وزعم البعض أن توجه السياسات الاقتصادية للمرشح الرئاسي “دونالد ترامب” قد تحقق نتائج معاكسة رغم رغبته هو وفريقه في إضعاف قيمة العملة.
تأتي تلك الافتراضات في الوقت الذي يقترب فيه أكبر اقتصادات العالم من إعلان انتصاره في معركته ضد التضخم، وبدء الاحتياطي الفيدرالي في دورة خفض الفائدة التي قد تستمر حتى العام المقبل، مما قد يساهم في كبح جماح الطلب على العملة، وبالتالي خفضها عن مستوياتها المرتفعة.
تعد العملة الخضراء – مقابل سلة من ست عملات – مرتفعة بحوالي 14% منذ تولي الرئيس الحالي “جو بايدن” منصبه في يناير 2021، أما العجز التجاري الأمريكي فإنه أكبر بمقدار الثلث مما كان عليه في 2019، ووصل إلى 773 مليار دولار في 2023.
في السادس عشر من يوليو من هذا العام، تحدث “دونالد ترامب” خلال مقابلة أجراها مع “بلومبرج بيزنس ويك” عن المشاكل في قطاع التصنيع الأمريكي ومشكلة العملة الكبيرة التي تواجهها البلاد.
وتحدث تحديدًا عن زوجي العملة “الدولار/ين” – بعد ارتفاع قيمة العملة المحلية بصورة كبيرة مقابل نظيرتها اليابانية – و”الدولار/يوان”، وركز على الميزة التنافسية غير العادلة التي تتمتع بها شركة مثل اليابانية المصنعة لمعدات البناء والتعدين “كوماستو” على الأمريكية “كاتربيلر”.
وقال في المقابلة: كنت أحاربهم، يريدون عملتهم ضعيفة طوال الوقت، وكنت أقول إذا أضعفتم عملتكم أكثر من ذلك، فسأضطر إلى فرض رسوم جمركية، كنت صارمًا للغاية في التعامل مع الأمر، لأنه يشكل عبئًا هائلاً على شركاتنا التي تحاول بيع منتجاتها في أماكن أخرى خارج البلاد.
وكان اختياره للسناتور “جيه دي فانس” لمنصب نائب الرئيس حال فوزه بانتخابات 2024، بمثابة إشارة واضحة مفادها أن إضعاف الدولار سيكون من أولويات سياسته.
بالفعل، أعرب “فانس” و”ترامب” عن تشككهما في الفوائد الاقتصادية المترتبة على قوة الدولار، التي ينظران إليها باعتبارها عقبة أمام إنعاش التصنيع في أمريكا.
لا يفضل “ترامب” الدولار القوي، لأنه يرى أن العملة القوية للغاية تجعل شراء السلع الأمريكية مكلفًا للغاية بالنسبة للمشترين الأجانب.
وجادل “فانس” خلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ خلال 2023 بأن عيوب وضع الدولار عملة احتياط عالمية تفوق منافعه.
سياسات ترامب في ولايته الأولى
في عام 1994، وصل الدولار لأعلى مستوياته على الإطلاق أمام العملة الصينية إلى 8.7 يوان، لكنه تراجع خلال فترة رئاسة “ترامب” بنسبة 5.5% أمام اليوان.
عام 2019 اتخذت إدارة “ترامب” الأولى خطوة نادرة بتصنيف الصين كمتلاعب بالعملة، مما يعني أنها كانت تخفض قيمة اليوان بشكل غير عادل لجعل صارداتها أرخص وبالتالي تحصل على ميزة في التجارة العالمية.
لكن لم يجدد الرئيس الحالي “جو بايدن” تصنيف الصين كمتلاعب بالعملة عندما تولى منصبه.
تذبذبات قيمة مؤشر الدولار خلال ولاية ترامب الأولى |
||||
التاريخ |
|
الحدث |
|
قيمة مؤشر الدولار |
20 يناير 2017 |
|
تنصيب ترامب |
|
101.2 |
9 مارس 2018 |
|
بعد توقيع الرسوم الجمركية على الصلب والألومنيوم |
|
90.1 |
مارس 2020 |
|
عند تصنيف منظمة الصحة العالمية “كوفيد-19” وباء عالمي |
|
97.5 |
20 يناير 2021 |
|
عند تولي “بايدن” رئاسة البلاد |
|
90.5 |
الدولار عملة احتياطي نقدي عالمية
يحافظ الدولار على مكانته كعملة احتياطي نقدي عالمية وباعتباره ملاذًا آمنًا في أوقات الاضطرابات الاقتصادية والتوترات الجيوسياسية.
كان الدولار بمثابة العملة الاحتياطية الرائدة في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، ويمثل حاليًا 58% من قيمة احتياطات النقد الأجنبي حول العالم، أما اليورو – ثاني أكثر العملات استخدامًا – لا يمثل سوى 20% من الاحتياطات.
على الرغم من سعي بعض الدول وخاصة منذ غزو روسيا لأوكرانيا إلى تنويع اقتصاداتها بعيدًا عن الدولار، والتخلص من هيمنة العملة الأمريكية.
مكانة الدولار حول العالم |
|
النقطة |
النسبة |
الحصة من احتياطات النقد الأجنبي العالمية |
%58 |
الحصة من فواتير التصدير |
%54 |
الحصة من معالات سوق الصرف الأجنبي |
%88 |
استفادت الولايات المتحدة من قوة الدولار وكونه عملة احتياط دولية بعدة صور، منها السماح للحكومة بالاقتراض بأسعار فائدة أقل.
كما دعمت مستوى معيشة الأمريكيين لأنها خفضت تكلفة السلع المستوردة، وعززت قدرة البلاد على الهيمنة على الساحة العالمية، وفقًا لما ذكره “مارك سوبيل” الذي عملة بوزارة الخزانة على مدى 4 عقود تقريبًا.
وأضاف “سوبيل” في مقابلة مع “ماركت ووتش”: الدولار هو العملة الاحتياطية بالنسبة للعالم ليس لأننا أعلنا ذلك، ولكن لأن لدينا اقتصادًا ضخمًا، وأسواق رأس المال الأكثر سيولة وعمقًا في العالم، ولدينا تاريخ من السياسة الاقتصادية الكلية المناسبة.
يثق الناس في الولايات المتحدة كقائد عالمي، يمكنك خفض قيمة الدولار من خلال الإضرار بهذه الأسس، لكن هذا سيكون بمثابة إطلاق النار على قدمي الولايات المتحدة، حسب وصف “سوبيل”.
كما يرى أن محاولات “ترامب” لتقليص استقلالية الفيدرالي حال عودته للبيت الأبيض تمثل صدمة لأحد المبادىء الأساسية التي تدعم وضع الدولار كعملة احتياطي عالمية.
لم تكن هناك محاولات لخفض قيمة الدولار منذ اتفاقية “بلازا” التي وقعت في نيويورك عام 1985، التي تمت بين دول مجموعة الخمس الكبرى ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وأمريكا واليابان.
والتي كانت تهدف لإضعاف الدولار من أجل الحد من العجز التجاري الأمريكي المتزايد، وبالفعل أسفرت عن زيادة قيمة الين والمارك الألماني – حينها – بشكل كبير مقارنة بالدولار.
إذ تراجعت قيمة الدولار بحوالي 25.69% في العامين التاليين، وتم توقيع اتفاقية “اللوفر” عام 1987 لوقف التراجع المستمر للعملة وتثبيت سعر الصرف.
يبدو أن خطة “ترامب” لإضعاف قيمة الدولار لن تنجح لأن السياسات المحتملة سوف تعرقل تأثيرها منها زيادة التعريفات الجمركية التي ستلحق المزيد من الضرر بالاقتصادات الأخرى وتحد من نموها وتضعف عملاتها.
وهو ما أشارت إليه “كريستين لاجارد” رئيسة المركزي الأوروبي عندما قالت أن الرسوم الجمركية قد تدفع البنك نحو خفض الفائدة وإضعاف اليورو.
وأوضح “جيمس لورد” رئيس قسم العملات الأجنبية العالمي لدى “مورجان ستانلي” أن التعريفات الجمركية – مع بقاء كافة العوامل الأخرى كما هي – ستزيد قوة الدولار، خاصة إذا أدت الإجراءات الانتقامية من الشركاء التجاريين إلى زيادة مخاطر النمو العالمي.
من المرجح أن تؤدي خطة “ترامب” الاقتصادية التي تتميز برفع الرسوم الجمركية على السلع المستوردة إلى زيادة قوة الدولار وليس خفضه، حسبما ذكر “موريس أوبستفيلد” الزميل بمعهد “بريترسون” للاقتصاد الدولي وكبير الاقتصاديين السابق لصندوق النقد الدولي.
إلى جانب أن ضعف الدولار قد لا يفعل الكثير لإنعاش التصنيع في أمريكا، لأنه بالعودة للعقد الأول من القرن الحادي والعشرين فإن تراجع قيمة العملة حينها لم يمنع الانخفاض الحاد في وظائف المصانع.
كما أن التخفيضات الضريبية والتمديدات التي يخطط لها قد تضع المزيد من الضغوط الصعودية على الفائدة، وعادة ما يرتفع الدولار إذا كانت الفائدة مرتفعة، حسبما أوضح “سوبيل”.
أما “جيه بي مورجان تشيس” يرى أن الاحتياطي الفيدرالي المستقل والافتقار للتعاون من الدول الأخرى قد يحبط جهود “ترامب” المحتملة لإضعاف الدولار.
لذلك فمن المحتمل أن تعرقل خطط “ترامب” نفسه رغبته في خفض قيمة العملة الذي يرى أنها تقف عائقًا أمام قطاع التصنيع وبالتالي الاقتصاد.