التجارة الإلكترونية في المغرب: نمو متسارع يواجه تحديات تنظيمية لحماية السوق والمستهلك
على مدار السنوات الأخيرة، شهدت التجارة الإلكترونية في المغرب نموًا ملحوظًا، مما جعلها تمثل محورًا رئيسيًا لتوظيف الشباب وتحفيز النمو الاقتصادي في البلاد.
و مع ازدياد انتشار الإنترنت وتزايد رغبة الأفراد في تحقيق الاستقلال المالي، أصبح الكثير من الشباب المغربي يتوجه نحو ريادة الأعمال الرقمية، مستفيدين من منصات التجارة الإلكترونية وتقنيات الدفع الرقمي التي تسهل عليهم بيع منتجاتهم وخدماتهم بكل يسر.
لكن مع هذا النمو السريع، ظهرت تحديات جديدة تستدعي الاهتمام الحكومي العاجل، خصوصًا فيما يتعلق بتنظيم القطاع وضمان حماية المستهلك.
وقد شهد مجلس المستشارين في جلسة للأسئلة الشفهية مناقشةً حول أهمية التجارة الإلكترونية في الاقتصاد المغربي، حيث أكد المستشار البرلماني عبد الرحمن أبليلا أن جائحة كورونا كانت عاملاً رئيسيًا في تسريع تطور هذا القطاع.
أبليلا قدّر أن التجارة الإلكترونية في المغرب ستصل إلى 31 مليار درهم بحلول عام 2026، ما يعادل 1% من الناتج المحلي الإجمالي.
كما أشار إلى أن هذا القطاع أصبح مصدرًا رئيسيًا لفرص العمل للشباب، ولكنه في نفس الوقت يثير العديد من المخاوف مثل الاحتيال الإلكتروني، التهرب الضريبي، والتجارة في سلع محظورة.
وأكد أن التجارة الإلكترونية في المغرب تنشط في بيئة غير خاضعة للضوابط القانونية بشكل كامل، مما يتطلب تعزيز الرقابة والشرعية في التعاملات الرقمية.
و من بين أكبر التحديات التي طرحها أبليلا هو التهرب الضريبي الذي قد يتفاقم مع التوسع المستمر في التجارة الإلكترونية. فالعديد من البائعين عبر المنصات الرقمية يتجنبون دفع الضرائب المستحقة، مما يصعب على الحكومة مراقبة وتحقيق التوازن في الأسواق.
كما نبه إلى ضرورة مراقبة دقيقة للمنتجات المعروضة عبر الإنترنت، خاصة تلك التي لا تستفيد من الإعفاءات المقررة للسلع المرسلة من الجالية المغربية المقيمة بالخارج.
من جانبه، أكد وزير الصناعة والتجارة رياض مزور أن الحكومة بصدد تعزيز الإطار القانوني لتنظيم التجارة الإلكترونية وضمان حماية المستهلك.
وأضاف أن الحكومة أعدت مشروع قانون لحماية المستهلك، يشتمل على بنود محدثة تنظم التجارة الإلكترونية، مع تحديد دور المنصات الإلكترونية بشكل واضح في حماية حقوق المستهلكين. وأوضح أن هذا القانون سيكون أداة رئيسية لدعم النمو المستمر لهذا القطاع وضمان شفافية المعاملات.
كما أشار الوزير إلى أن حجم معاملات التجارة الإلكترونية في المغرب بلغ 22 مليار درهم في عام 2023، بنمو سنوي يصل إلى 30%.
ومن المتوقع أن يحقق هذا الرقم زيادة ملحوظة ليصل إلى 30 مليار درهم بحلول نهاية العام. وأكد مزور أن الحكومة تواصل مراقبة المنتجات المتداولة عبر الإنترنت لضمان التزام البائعين بتسديد الضرائب المستحقة، وتوفير بيئة تجارية قانونية ونزيهة.
أصبحت التجارة الإلكترونية في المغرب من المحركات الرئيسية للاقتصاد، حيث توفر فرص عمل جديدة وتدعم ريادة الأعمال.
ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر في تحقيق التوازن بين تشجيع نمو هذا القطاع وحماية المستهلك من الممارسات غير القانونية. ضمان استدامة هذا القطاع يتطلب حلولًا تشريعية وتنظيمية تضمن الحفاظ على نزاهة السوق وحماية الاقتصاد الوطني من الممارسات التي قد تهدد استقراره.
وفي الختام، تظل التجارة الإلكترونية في المغرب قطاعًا واعدًا، لكنه يواجه تحديات تتطلب استجابة سريعة من الحكومة والمجتمع المدني لضمان استمراريته وتطوره بشكل يحفظ حقوق المستهلك ويضمن استقرار السوق الرقمية في البلاد.