الاستثمار الأخضر: الطريق الجديد نحو اقتصاد مستدام
يشهد عالم الاستثمار تحولًا ملحوظًا في اهتمامات المستثمرين، حيث لم يعد العائد المالي المباشر هو الهدف الوحيد.
و مع تزايد الوعي بقضايا البيئة والمجتمع والحوكمة، أصبح المستثمرون يسعون إلى تحقيق أهداف متعددة من خلال استثماراتهم، مثل مراعاة تأثير الشركات على البيئة، والعمل وفقًا لقيم العدالة الاجتماعية، وضمان الشفافية والعدالة في العمليات التشغيلية.
في هذا السياق، برزت مصطلحات مثل “الاستثمار المسؤول” و”الاستثمار الأخضر” وصولاً إلى “الاستثمار المستدام” أو “ESG Investing”، والذي يعتبر المفهوم الأكثر شمولًا للأهداف التي يرغب المستثمرون في تحقيقها مؤخرًا.
يشمل الاستثمار المستدام ثلاثة محاور رئيسية:
البيئة: يتساءل المستثمرون عن تأثير الشركات على البيئة. يشمل ذلك البصمة الكربونية للشركات، واستخدام المواد الكيميائية السامة في عمليات التصنيع، وسعي الشركات لتحقيق الاستدامة في سلاسل التوريد الخاصة بها.
العوامل الاجتماعية: يتناول هذا المحور كيفية تأثير الشركات على المجتمعات المحلية والموظفين، مثل تعزيز المساواة بين الجنسين والعرق والدين، وتحقيق التنوع في بيئة العمل، وكذلك دعم قضايا اجتماعية خارج نطاق العمل المباشر للشركات.
الحوكمة: يشمل هذا العنصر تقييم كيفية إدارة الشركات من قبل مجالس إدارتها والإدارات التنفيذية، وحرصهم على الشفافية والمنافسة العادلة، فضلاً عن تعاملهم مع المساهمين والمجتمع بشكل عام.
الاستثمار المستدام في الأسواق العالمية
تولي العديد من الشركات الكبرى في الولايات المتحدة وأوروبا اهتمامًا متزايدًا بالاستثمار المستدام، وقد تباينت درجات تركيز الشركات على العوامل المختلفة.
ويمكن القول إن الفارق بين استثمار الحوكمة البيئي الاجتماعي ونظيره التقليدي يتلخص في النقاط التالية:
الميزة | الاستثمار المستدام | الاستثمار التقليدي | |
التركيز | العائد المالي والعوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة | العائد المالي فقط | |
معايير الاستثمار | الأداء المالي بالإضافة إلى معايير ESG مثل انبعاثات الكربون، التنوع، حقوق الإنسان، وغيرها | الأداء المالي للشركة | |
الهدف | تحقيق عائد مالي مع المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة | تحقيق أعلى عائد مالي | |
المخاطر | قد تكون فرص الاستثمار محدودة مقارنة بالاستثمار التقليدي، ولكن المخاطر قد تكون أقل على المدى الطويل | قد يتعرض المستثمرون لمخاطر بيئية واجتماعية قد تؤثر على قيمة الاستثمار على المدى الطويل |
و على سبيل المثال، “بلاك روك”، أكبر مدير استثمارات في العالم، والبالغ حجم استثماراته 11.5 تريليون دولار بنهاية 2023، يولي 75% من استثماراته للأمور البيئية، خصوصًا تلك المتعلقة بالانبعاثات الكربونية.
إلا أن اهتمامه بالعوامل الاجتماعية والحوكمة لا يتساوى بنفس الدرجة، مما يعكس التركيز الأمريكي النسبي على الاستثمارات البيئية.
وفي المقابل، “فانجارد”، التي تدير استثمارات تقدر بحوالي 9 تريليونات دولار، تولي اهتمامًا أكبر بمؤشر “الحوكمة البيئية والاجتماعية”، حيث تتجنب الاستثمارات في الصناعات التي تعتبرها ضارة مثل تجارة الأسلحة والتبغ.
تسعى “ستيت ستريت”، التي تدير أكثر من 4 تريليونات دولار، إلى تعزيز استثماراتها المتوافقة مع معايير الحوكمة البيئية الاجتماعية، مع خطة لزيادة هذا النوع من الاستثمارات إلى 750 مليار دولار بحلول عام 2030.
و على الرغم من الفوائد التي قد تحققها استثمارات ESG، إلا أن هناك بعض الانتقادات. فبعض الدراسات، مثل تلك التي أُجريت في ولاية أوكلاهوما الأمريكية، أظهرت أن تطبيق معايير الاستثمار المستدام قد أضر بالولاية، خصوصًا فيما يتعلق بالاستثمار في الطاقة التقليدية.
حيث تم الحد من استثمارات الطاقة التقليدية مما أثر سلبًا على النشاط الاقتصادي.
كما يواجه الاستثمار المستدام اتهامات بأنه يخدم أجندات سياسية معينة، خصوصًا تلك التي تميل إلى الأفكار اليسارية، ويُعتبر من قبل بعض النقاد نوعًا من “السذاجة الفكرية”، خاصة في قطاعات مثل الطاقة حيث لا تزال الطاقة المتجددة غير قادرة على تلبية احتياجات العالم في المدى المنظور.
و على الرغم من هذه التحديات، يبدو أن الاستثمارات المستدامة تمثل اتجاهًا متزايدًا في الأسواق العالمية، خاصة في ظل الاهتمام المتزايد بالقضايا البيئية والاجتماعية.
ومع أن البعض يروج للاستثمار في الطاقة المتجددة باعتبارها الخيار الأمثل، فإن الواقع يشير إلى ضرورة التوازن بين جميع القطاعات لضمان استدامة اقتصادية شاملة.
بناءً على ذلك، تبقى أسئلة متعددة بشأن آثار الابتعاد عن الاستثمار في بعض المجالات الأساسية، مثل الطاقة التقليدية، في حين يستمر الاتجاه نحو استثمار مستدام يوفر فرصًا للمستثمرين الراغبين في تحقيق أهداف اجتماعية وبيئية بالإضافة إلى العوائد المالية.