الاقتصادية

الاحتياطي الفيدرالي: هل من الأفضل أن تأتي متأخراً من أن لا تأتي أبداً؟

بدأ الاحتياطي الفيدرالي أول دورة لتخفيف السياسة النقدية منذ بداية الوباء بخفض الفائدة -من أعلى مستوياتها في 23 عامًا- بمقدار نصف نقطة مئوية أو 50 نقطة أساس لتصل إلى النطاق 4.75%- 5%، في خطوة تمثل تحولاً كبيرًا في مسار البنك المركزي قد يجلب الراحة لكل من الأسر والشركات.

ولا يزال يخطط الفيدرالي للمزيد من الخفض، ما يعني إمكانية خفض كبير للفائدة مرة أخرى في أحد الاجتماعين المتبقيين هذا العام أو خفضها بمقدار 0.25% في كل من اجتماعي نوفمبر وديسمبر، إلى جانب تخفيضات إضافية متوقعة في 2025 و2026.

كانت المرة الأخيرة التي خفض فيها البنك بأكثر من ربع نقطة مئوية عندما ضرب فيروس “كوفيد-19” الاقتصاد العالمي في 2020.

في حين كان من المؤكد بالنسبة للأسواق والمستثمرين أن البنك سيخفض الفائدة في اجتماع سبتمبر -الذي انتهى أمس- إلا أن التوقعات كانت منقسمة حول ما إذا كان الفيدرالي سيبدأ بوتيرة معتدلة 0.25% أم أكثر عدوانية 0.5%،  وكان الاحتمال الأول هو الأكثر ترجيحًا، لكن صناع السياسة قرروا في النهاية أن الاقتصاد قوي بما يكفي لاتخاذ مثل هذا القرار.

33734e7c ca17 493e 9b44 042b54a53917 Detafour

هل تأخر البنك في تحويل مساره؟

يُعتبر الفيدرالي متأخرًا بعض الشيء في التحول نحو الخفض بالمقارنة بالبنوك المركزية الأخرى حول العالم، لأن المركزي الأوروبي، والمملكة المتحدة ونيوزيلندا وكندا خفضت الفائدة بالفعل، وكذلك العديد من البنوك في الأسواق الناشئة.

وأشار الخبير الاقتصادي “محمد العريان” في منشور على إكس إلى أن “باول” لم يرغب في الإقرار بأن الخطوة التي اتخذها هي تعويض عن عدم خفض الفائدة في يوليو.

لكن الفيدرالي يتحرك سواء بالرفع أو الخفض استجابة لعاملين هما التضخم -الذي بلغ 2.5% في غشت – والتوظيف وهو ما أكده رئيس البنك “جيروم باول”، الذي صرح في المؤتمر الصحفي قائلاً: الاقتصاد الأمريكي في حالة جيدة، ينمو بوتيرة قوية والتضخم يتراجع وسوق العمل في وضع قوي، ونريد الحفاظ على ذلك.

وتبرز تلك التصريحات الخوف من فقدان وظائف سريعًا وارتفاع معدل البطالة -الذي يبلغ حاليًا 4.2%- إذا تأخر الفيدرالي أكثر من ذلك، لكن “باول” أكد عدم وجود إنذارات حتى الآن بشأن سوق العمل.

علق “برايان كولتون” كبير خبراء الاقتصاد لدى “فيتش” بأن التخفيض يشير إلى تحول مفاجئ للتركيز مرة أخرى على مهمة تحقيق مستوى التوظيف الأقصى، وتحسن حاد للغاية في الثقة في تحسن التضخم في الشهر والنصف الماضيين، مضيفة أن البنك ربما يكون أكثر قلقًا بشأن حالة سوق العمل.

e4f30695 2203 47f1 a77a 80b2f1df8149 Detafour

تعليقات على القرار

ذكر “إريك روزنجرين” رئيس الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن السابق أن “باول” قدم تفسيرًا جيدًا لقرار الخفض، والذي يعكس بيانات الوظائف التي كانت أضعف من المتوقع، وأشار إلى أنه إذا كانت البيانات المخيبة للآمال أتيحت في وقت أبكر، فربما بدأ المسؤولون في الخفض خلال الصيف.

صرحت “إليزابيث وارن” السيناتور الديمقراطية عن ولاية ماساتشوستس بعد القرار قائلة: هذا الخفض هو اعتراف آخر من “باول” بأنه انتظر طويلاً لخفض الفائدة، لقد غير الفيدرالي مساره أخيرا ليتبع مهمته المزدوجة بشأن الأسعار والوظائف، خفض الفائدة يعني راحة للمستهلكين وأصحاب المساكن، وهناك حاجة للمزيد من الخفض.

وهو ما يتوافق مع رؤية المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة “كامالا هاريس” التي علقت بأن القرار مرحب به بالنسبة للأمريكيين الذين عانوا ارتفاع الأسعار.

بينما يرى المرشح الجمهوري “ونالد ترامب” أن هذا القرار يظهر أن الاقتصاد في وضع سيئ للغاية، إذا لم يكونوا يمارسون ألاعيب سياسية.

59270ac9 42c3 4d79 bb07 449204ca922b Detafour

ما تداعيات هذا القرار على الأسهم؟

سيتأثر الأمريكيون بشكل مباشر بالتغيير، لكن البنوك المركزية التي ترتبط عملاتها بالدولار غالبًا ما تربط قراراتها الخاصة بالفائدة بتحركات الفيدرالي مثل هونج كونج -التي قررت اليوم خفض الفائدة 50 نقطة أساس- لذلك سيتأثر المقترضون في تلك البلدان بهذا القرار.

أما من يعيشون خارج الولايات المتحدة ويستثمرون في سوق الأسهم الأمريكية، فإن خفض الفائدة قد يكون خبرًا جيدًا بالنسبة لهم، لأن أسعار الفائدة المنخفضة تميل لدعم الأسهم وتجعلها تبدو وكأنها استثمار أكثر جاذبية مقارنة بأسعار السندات والاستثمارات ذات الدخل الثابت.

وقد يرجع ذلك لسببين: أولاً لأنه يعني أن الشركات يمكنها اقتراض الديون بتكلفة أقل وإعادة استثمارها لزيادة ربحيتها، وثانيًا أن أسعار الفائدة المنخفضة تعني أن حسابات التوفير وبعض الاستثمارات الأخرى تصبح أقل جاذبية، لذلك يميل المستثمرون إلى تحويل أموالهم نحو استثمارات أخرى مثل الأسهم.

28d2a431 857e 4a17 9a9d fb3c92e06f05 Detafour

التأثير على المستهلكين في أمريكا

يضع سعر الإقراض الرئيسي الذي يحدده الفيدرالي -وهو ما يفرضه على البنوك مقابل الاقتراض- قاعدة لما تفرضه الشركات والبنوك على الأشخاص في أمريكا مقابل القروض مثل الرهن العقاري أو غيرها من الديون مثل أرصدة بطاقات الائتمان غير المسددة.

وبالتالي ستوفر خطوة خفض الفائدة التي طال انتظارها بعض الارتياح للمستهلكين الساعين لشراء منزل أو سيارة وكذلك أولئك الذين عليهم سداد ديون بطاقات الائتمان، لكنه سيقلص العائدات المرتفعة نسبيًا التي كان يتمتع بها المدخرون.

أوضح “جريج ماكبرايد” كبير المحللين الماليين لدى “بنك رايت” أن خفض الفائدة لا يشكل حلاً سحريًا للمقترضين الذين يواجهون تكاليف التمويل المرتفعة، وله تأثير ضئيل على الميزانية الإجمالية للأسر، لكن ما سيكون أكثر أهمية هو التأثير التراكمي لسلسلة من التخفيضات للفائدة بمرور الوقت.

ebc6bd9d e5be 4496 bed2 035154163856 Detafour

أما بالنسبة للرهن العقاري، فتظل أسعار فائدته أعلى بكثير عما كانت عليه قبل ثلاث أو أربع سنوات لتصعب الأمر على المشترين المحتملين للمنازل، وأصبحت أسعار المساكن أكثر تكلفة وكذلك التمويل، ما أدى لتباطؤ سوق الإسكان.

وعندما سُئل “باول” عن تأثير القرار على أسعار فائدة الرهن العقاري قال: قروض الإسكان غالبًا ما تتأثر بالعوامل الاقتصادية مثل سوق العمل والطلب الاستهلاكي، ولكن إذا ظل النمو الاقتصادي على المسار الصحيح وقام البنك بتخفيضات إضافية، فإن أسعار الفائدة الأخرى في الاقتصاد ستنخفض أيضًا.

وعن قروض السيارات، يرى خبراء أن أسعار الفائدة على تلك القروض ستنخفض، وقد يقنع ذلك بعض المستهلكين بالبدء في الشراء، حسبما ذكر موقع “إيموندز”، والذي وجد أن حوالي 6 من كل عشرة متسوقين امتنعوا عن شراء مركبات بسبب الفائدة المرتفعة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى