الأوزمبك وأدوية التخسيس: السعي نحو الجسم المثالي وسوق بمليارات الدولارات
الحصول على جسم مثالي حلم يراود الكثير من البشر، خاصة في ظل تزايد معدلات السمنة حول العالم، وتغير العادات الغذائية وطبيعة الأطعمة على الموائد، وأيضاً التطور التقني الذي أثر على الحركة البدنية للأفراد.
ومع عدم رغبة الكثير في حرمان أنفسهم من خلال نظم الحمية المختلفة، والرغبة في التخلص من الوزن الزائد دون بذل الكثير من المجهود عبر التمارين الرياضية، لجأ الكثيرون إلى حل سهل، لكن قد يكون مكلفاً بعض الشيء.
ولم يدُر ببال شركة “نوفو نورديسك” الدنماركية التي قدمت عقار “سيماجلوتايد” في أواخر عام 2017، المعروف تجارياً باسم “أوزمبك”، كعلاج متطور لمرض السكري من النوع الثاني، أنه سيصبح منجماً للأموال بالنسبة لها حينما ظهر عرض جانبي للعقار يتمثل في إنقاص الوزن.
وأوزمبك في الأصل هو دواء يساعد على خفض نسبة السكر التراكمي في الدم بشكل ملحوظ، مما يتسبب في إنقاص الوزن، وأدى هذا العرض الجانبي لزيادة الإقبال عليه لمعالجة السمنة لدى الكثيرين حول العالم، وأحياناً كثيرة بدون إشراف طبي، خاصة أنه لم يحصل على موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية لاستخدامه في هذا الغرض.
زيادة استعمال العقار في غير غرضه بهدف علاج السمنة وإنقاص الوزن وإقبال الكثيرين عليه شجع الشركات المنافسة على إنتاج حقن لمعالجة السمنة حتى لا تفوتها قطعة من كعكعة هذه السوق، بل إن الشركة المنتجة لحقن الأوزمبك نفسها، أنتجت عقاراً تحت الاسم التجاري “ويجوفي” من أجل إنقاص الوزن.
وتوجد حالياً في الأسواق حول العالم أسماء تجارية عديدة لعقارات شبيهة لها مفعول الأوزمبك نفسه، وتعمل وفقاً لآلياتها نفسها، ضمن الفئة التي تُعرف بأنها أدوية مثبطة للشهية مثل دواء “مونجارو” لشركة “إيلي ليلي”، و”سانوفي” و”ساكسيندا”.
وحددت الشركة المصنعة لأوزمبك سعره قبل تطبيق أي خصومات أو تخفيضات، رغم أن معظم الأشخاص لا يدفعون إذا كان لديهم تأمين صحي عند 968 دولاراً “للقلم” بتركيزات وجرعات مختلفة، بحسب موقع “نوفو نورديسك”.
سوق بمليارات الدولارات
في عام 2022، بلغ إجمالي مبيعات “أوزمبك” 9.5 مليار دولار، منها 65% في الولايات المتحدة و18% في القارة الأوروبية، فيما تقدر مبيعات العقار في عام 2023 بنحو 12.5 مليار دولار، وفي العام الحالي من المتوقع أن يحافظ أوزمبك على زخم مبيعاته لتصل لنحو 13.5 مليار دولار، نصفها على الأقل من السوق الأمريكية، وذلك وفقاً لبيانات الشركة.
وبحلول عام 2029، من المتوقع أن تصل مبيعات العقار الذي يستخدم أيضاً لعلاج مرض السكري، لمستويات قياسية تقدر بنحو 17 مليار دولار منها 10 مليارات دولار من الولايات المتحدة فقط.
تلك الأرقام الخاصة بالأوزمبك، تعطي مؤشراً قوياً لما يمكن أن يكون عليه حجم سوق العقاقير التي تستخدم في أغراض علاج السمنة وإنقاص الوزن.
الأمر لم يقتصر فقط على مبيعات الشركة، بل أدى الطلب المتزايد على أدوية علاج السمنة إلى رفع القيمة السوقية لشركة “نوفو نورديسك”، وخلال شهر أغسطس الحالي بلغت القيمة السوقية لها أكثر من 600 مليار دولار، وهذا ما جعلها الشركة الخامسة عشرة الأكثر قيمة في العالم من حيث القيمة السوقية، وفقاً لبيانات “كمبينس ماركت كاب”، كما عزز مكانتها كأكبر شركة أدوية في أوروبا من حيث القيمة السوقية.
ووفقاً للأسعار الحالية تمكن سهم الشركة من أن يصل لنحو 136.9 دولار مع إغلاق يوم الجمعة الماضي، وهو ما يمثل نحو ثلاثة أمثال سعره منذ 3 سنوات حينما كانت قيمة السهم 48 دولاراً
تطورات القيمة السوقية لشركة “نوفو نورديسك” منذ عام 2019: |
||||
العام |
|
القيمة السوقية (بالمليار دولار) |
|
نسبة الصعود |
2024 |
|
605.0 |
|
%29.52 |
2023 |
|
466.9 |
|
%46.97 |
2022 |
|
317.7 |
|
%26.0 |
2021 |
|
252.0 |
|
%69.88 |
2020 |
|
148.4 |
|
%6.76 |
2019 |
|
138.9 |
|
27.0% |
انفجار في الطلب
وشهدت الأعوام الماضية انفجاراً في الطلب على الأدوية لعلاج السمنة، وتسيطر “نوفو نورديسك” على حصة سوقية تبلغ 55% من إجمالي المبيعات العالمية عبر “أوزمبك” و”يجوفي”، اللذين يشتركان في المادة الفعالة.
وخلال العام الماضي، وصلت السوق العالمية للأدوية المعالجة للسمنة إلى 6 مليارات دولار، وبحلول عام 2030، يمكن أن تنمو بأكثر من 16 مرة لتصل إلى 100 مليار دولار، وفقاً لأبحاث “جولدمان ساكس”.
وبحسب تقديرات “موردور إنتلجينس” فإن حجم سوق أدوية مكافحة السمنة سيبلغ نحو 13.01 مليار دولار أمريكي في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 27.95 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي قدره 16.53% خلال الفترة من 2024-2029.
وفي تقرير نشر في مايو الماضي ذكرت مؤسسة آي كيو في آي إيه أن زيادة الإمدادات والاستخدام الأوسع المحتمل والعدد المتزايد من المنافسين المحتملين في قطاع معالجة السمنة يرفع توقعات المبيعات العالمية السنوية للعلاجات إلى حوالي 150 مليار دولار بحلول أوائل 2030.
وبلغ الإنفاق العالمي على أدوية السمنة 24 مليار دولار العام الماضي، وفقًا لتقديرات المؤسسة التي توقعت أن هذا الرقم سيصل إلى 131 مليار دولار بحلول عام 2028.
وتضاعف عدد الأشخاص الذين يعانون من السمنة -التي تُعرف بأنها تراكم غير طبيعي أو مفرط للدهون يشكل خطراً على الصحة البدنية والعقلية- ثلاث مرات تقريباً في جميع أنحاء العالم منذ عام 1975، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
واليوم، تعد السمنة خامس عامل خطر رئيسي كسبب رئيسي للوفاة على مستوى العالم، ومن المتوقع أن تستمر معدلات السمنة في الارتفاع، مدفوعة بعوامل متعددة تشمل أنماط الأكل ومستويات النشاط البدني والجينات.
واستناداً إلى الاتجاهات الحالية، سيكون أكثر من نصف سكان العالم يعانون من زيادة الوزن أو السمنة بحلول عام 2035، مقارنة بنسبة 38% في عام 2020، وفقاً لتوقعات أطلس السمنة العالمي 2023.
وذكر تقرير “جولدمان ساكس” أنه يستند في توقعاته ببلوغ قيمة 100 مليار دولار إلى مجموعة من العوامل، بما في ذلك إجمالي عدد المرضى الذين يمكن معالجتهم.
ويستند التقدير على أن نحو 15 مليون بالغ في الولايات المتحدة وحدها قد يتم علاجهم بأدوية إنقاص الوزن بحلول عام 2030، من المتوقع أن تكون “إيلي ليلي” و”نوفو نورديسك” من بين الشركات المهيمنة على هذه السوق، بحسب التقرير.
وذكر “كريس شيبوتاني”، كبير المحللين في مجال الأدوية الحيوية في جولدمان ساكس للأبحاث، في تقرير الفريق، “سوق السمنة لا تزال في مراحلها المبكرة”.
وفي عام 2013، اعترفت الجمعية الطبية الأمريكية بالسمنة كمرض مزمن، الأمر الذي أدى بدوره إلى زيادة الوعي بضرورة التدخل الطبي للعلاج والوقاية.
أكثر 5 دول تعاني من السمنة في العالم (بحسب موقع ورلد ببوليشين ريفيو)
الدولة |
نسبة السمنة |
ساموا الأمريكية |
80.2% |
تونجا |
77.1% |
واليس وفوتونا |
70.4% |
جزر كوك |
69.8% |
توكيلاو |
%63.4 |
ولم تقدم العلاجات المبكرة للسمنة سوى مساعدة متواضعة بنسب تتراوح من 3 إلى 11% من فقدان الوزن في الجسم، كما أن بعض الجيل المبكر من الأدوية المضادة للسمنة عانى من مخاوف تتعلق بالسلامة وتمت إزالتها أو التوصية بتعليقها من أسواقها في الولايات المتحدة وأوروبا.
ولكن في السنوات الأخيرة، أثبتت فئة جديدة من الأدوية، تعتمد على تحفز المستقبلات الرئيسية في الجهاز الهضمي والدماغ لتعزيز تخليق الأنسولين (الذي يساعد في تنظيم التمثيل الغذائي الصحي ومستويات الجلوكوز في الدم) وتقليل الشعور بالجوع، فاعلية أكبر، حيث حققت فقداناً للوزن يصل إلى 20%، وفقاً لأبحاث جولدمان ساكس.
ويكتب “شيبوتاني” في التقرير أن “سوق إنقاص الوزن تمر بمرحلة تحول، مع إمكانية تحقيق نمو قوي في المستقبل وفرصة ذروة يمكن أن تسفر في النهاية عن بعض أعلى الأدوية ربحاً على الإطلاق”.
أرقام مقلقة حول السمنة
وبحسب بيانات منظمة الصحة العالمية فإنه كان هناك 2.5 مليار شخص بالغ في عام 2022 يعانون من زيادة الوزن، منهم 890 مليون شخص من المتعايشين مع السمنة.
ويعادل ذلك نسبة 43% من البالغين بعمر 18 عاماً فما فوق (43% من الرجال و44% من النساء)، مقارنة بنحو 25% في عام 1990، وتتفاوت معدلات انتشار زيادة الوزن بحسب المناطق، وتتراوح بين 31% في جنوب شرق آسيا وإفريقيا و67% في الأمريكتين.
كما أشارت التقديرات إلى معاناة نحو 37 مليون طفل دون الخامسة من زيادة الوزن، وفي إفريقيا وحدها، زاد عدد الأطفال دون سن الخامسة الذين يعانون من زيادة الوزن بنسبة 23% تقريباً منذ عام 2000، بينما استأثرت آسيا في عام 2022 بقرابة نصف عدد الأطفال دون سن الخامسة الذين يعانون من زيادة الوزن أو يتعايشون مع السمنة.