اختلافات وتخوفات .. هل يمكن اعتبار البيتكوين ذهباً أو نقوداً رقمية حقاً؟

عندما اكتُشف الذهب لأول مرة، لم يكن يعلم البشر أنهم على موعد مع عنصر سيغير طريقة عيشهم بشكل كامل، بداية من استخدامه في الزخرفة والزينة، مرورًا بجعله عملة للتجارة، ثم معياراً نقدياً في العصر الحديث، وأخيرًا أداة للاستثمار والتحوط.

في حين يميل المؤرخون إلى القول إن القدماء المصريين أول من اكتشف الذهب قبل نحو 4500 عام من الآن، تشير تقديرات الجمعية الوطنية الأمريكية للتعدين إلى أنه عُرف واستُخدم قبل ذلك بمئات السنين في الحضارة السومرية وفي أوروبا الشرقية.

على أي حال، اكتسب الذهب سريعًا قيمته الكبيرة ليس فقط من بريقه ومظهره الجذاب الذي جعله مصدراً رئيسياً للزينة، ولكن أيضًا من ندرته وقوته، ومن ثم الطلب الكبير عليه، ما جعله أداة تبادل تجاري مقبولة وموثوقة بين مختلف الشعوب.

وبعد آلاف السنين من هذا الاكتشاف الثوري، وجد البشر أنفسهم أمام طفرة نقدية واقتصادية جديدة تحاول إعادة إنتاج تجربة الذهب، حيث تزود العالم بأداة للتبادل التجاري والاستثمار تتصف بالندرة والأمان الفائق، حتى أنها تتشابه معه في حقيقة أن لا أحد يعرف بالتحديد مَن وراءها.

حتى الآن، بلغ حجم الذهب الذي جرى تعدينه 187.2 ألف طن، ولا يزال هناك ما بين 57 ألفاً و59 ألف طن من الاحتياطيات المؤكدة، والتي يحذر العلماء من أنها ستنفد في غضون 20- 25 عامًا قادمة.

في المقابل فإن عملة البيتكوين التي أثارت جدلًا واسعًا على مدى السنوات القليلة الماضية مع ارتفاع قيمتها بشكل كبير، يجري تداول نحو 19.7 مليون وحدة منها الآن، وهو ما يعادل تقريبًا 94% من إجمالي ما يمكن تعدينه (21 مليون وحدة).

الذهب الجديد

– في مذكرة بحثية صدرت خلال أبريل، توقعت شركة أبحاث الاستثمار العالمية “بي سي إيه ريسيرش- BCA Research“، ارتفاع سعر البيتكوين إلى 100 ألف دولار مستقبلًا، وشبهت العملة المشفرة بـ “الذهب” لأنها محصنة ضد التضخم وانهيارات البنوك وحتى المصادرة من قِبل الحكومات.

– قال محللو الشركة إنه حتى إذا حظرت الحكومات البيتكوين، فإن هذا لا يشكل مصادرة ما دامت هناك شبكة عالمية من حاملي العملة المشفرة الذين يقدرون قيمتها، وإن الارتفاعات الأخيرة للذهب والبيتكوين تعكس قدرتهما على الحفاظ على قيمتهما في مواجهة العوامل الخارجية.

– حتى رئيس أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم “بلاك روك”، قال في يوليو إنه كان مخطئًا عندما شكك في البيتكوين، وإنه يعتبرها الآن أداة مالية مشروعة تضمن عوائد غير مترابطة، مضيفًا: “أنا من كبار المؤيدين لها الآن، وأعتقد أنها الذهب الرقمي”.

– ذكر أيضًا “لاري فينك” الذي تمتلك شركته الآن أكبر صندوق متداول في البورصة للبيتكوين، إن العملة المشفرة تحظى باهتمام متزايد في الأوقات التي يشعر فيها المستثمرون بعدم اليقين السياسي أو مع ارتفاع الديون الحكومية، داعيًا إلى إعادة النظر فيها لأن هناك استخدامات كثيرة لها.

– في عام 2021، نشرت كبيرة الخبراء الاقتصاديين والمحللة الاستراتيجية لدى “دويتشه بنك”، “ماريون لابوري”، مدونة عبر الموقع الرسمي للمقرض الألماني بعنوان: “أستطيع أن أرى أن عملة البيتكوين تصبح ذهب القرن الحادي والعشرين”.

– كتبت “لابوري” وهي أيضًا محاضرة في التمويل والاقتصاد بجامعة هارفارد، إن القيمة السوقية للعملات المشفرة (تزيد الآن على 2.2 تريليون دولار تمثل البيتكوين أكثر من نصفها) تجعلها مهمة للغاية بحيث لا يمكن تجاهلها، وإن البيتكوين قادرة على أن تلعب دورًا مشابهًا للذهب.

– استشهدت “لابوري” بالعرض المحدود من البيتكوين، مقارنة بالعملات الورقية التي تتحكم الحكومات في طباعتها والتي زادت كثيرًا بالفعل، مشيرة إلى أن البشر تاريخيًا كانوا يسعون وراء الأصول التي لا تسيطر عليها الحكومات، لكنها حذرت من ارتفاع تقلبات العملة المشفرة مقارنة بالذهب.

لماذا لا تعتبر البيتكوين ذهبًا؟

– بعد الهبوط الحاد للأسواق في الخامس من أغسطس، أثير مجددًا الحديث عن اعتبار البيتكوين “الذهب الجديد” أو “الذهب الرقمي” الذي يمكن استخدامه للتحوط ضد التضخم وضد انهيارات السوق.

– في الحقيقة سجل الأصلان أداءً سالبًا خلال هذه الجلسة، حيث تراجعت العقود الآجلة للذهب بنسبة 1% إلى 2444 دولارًا (تتداول الآن فوق 2546 دولارًا)، فيما انخفضت البيتكوين بنحو 10% إلى أكثر قليلًا من 53 ألف دولار (تتداول الآن فوق 63 ألفًا).

– مع ذلك، قال تقرير لمجلس الذهب العالمي، إن أفضل طريقة لمقارنة البيتكوين والذهب بتحليل البيانات، خاصة العائدات، فعلى مدار السنوات الخمس الماضية، قدم كلاهما عائدات قوية، لكن لا شك أن البيتكوين قدمت المكاسب الأكبر، لكن كان لذلك ثمنه.

مقارنة بين العائد على بعض الأصول (بالنسبة المئوية/ تقديرات تقريبية)

– الثمن الذي يتحمله المستثمر نظير مكاسب البيتكوين كما هو واضح من الجدول السابق، هو كثرة التقلبات، وباختصار فإن الذهب على النقيض من ذلك تماماً كان أقل تقلبًا وإثارة للقلق.

المتوسط السنوي للتقلبات اليومية لبعض الأصول خلال 5 أعوام (بالنسبة المئوية)

– يقول مجلس الذهب العالمي: “أثبت الذهب منذ فترة طويلة دوره كملاذ آمن، وهو ما تدعمه حالات الاستخدام الواضحة من قبل البنوك المركزية، وحيازات الاستثمار طويلة الأجل والادخار عالميًا، وبالتالي فإن تقلباته تقع في الحد الأدنى من طيف الأصول المقارنة”.

– إن أقوى حالة لاستخدامات البيتكوين، كما وصفها مديرو الأصول الرئيسيون، هي مكانتها كمؤشر على تبنّي تقنية “البلوك تشين” بشكل عام، مما يجعل أداءها وتقلباتها أقرب إلى أسهم التكنولوجيا، بحسب تقرير المجلس.

– إن إضافة الذهب إلى المحفظة الاستثمارية يوفر تنويعًا واضحًا، في حين أن البيتكوين لا توفر أي تنويع حقيقي، وإنما محاكاة لعملية زيادة التعرض للأسهم العالية المخاطر (مثل أسهم التكنولوجيا)، وفقًا للتقرير.

هل تعتبر نقوداً إذاً؟

– هذا الموضوع لا يزال محل خلاف، ففي حين تشجع شركات ومستثمرون على استخدام البيتكوين كأداة للدفع والتبادل التجاري، لا يزال يرى البعض (بينهم مسؤولون ومستثمرون) أنها بلا قيمة ولا يجب أن تلعب دور المال.

– في مذكرة نشرتها لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية في وقت سابق، استبعدت اعتبار البيتكوين مالًا، نظرًا لأن تعريف المال يستند إلى 3 أغراض أساسية، هي القدرة على استخدامه كوحدة حساب ووسيلة للتبادل التجاري ومخزن للقيمة.

– أشارت المذكرة إلى أن البيتكوين على عكس الذهب لا يوجد ضامن لها مثل البنوك المركزية، والتي تميل بطبيعتها للاحتفاظ بالمعدن النفيس كبديل أو مصدر للحصول على النقد الأجنبي خلال أوقات الأزمات، كما استشهدت بالمضاربات المرتفعة على العملة المشفرة علاوة على التقلبات.

– البعض أيضًا يرى أن البيتكوين، لا قيمة حقيقية لها على الإطلاق، وأن القيمة “الزائفة” المستمدة من اعتقاد المتداولين المضاربين أن شخصًا آخر سيأتي ليشتري حيازتهم بسعر أغلى في المستقبل، هي مقامرة بالغة الخطورة، وتجعل الاعتماد عليها كبديل للنقود “حماقة أكثر خطورة”.

– مع ذلك، يبدو أن الانتخابات الأمريكية المقبلة قد تغير الكثير من الاعتبارات الرسمية والحكومية، خاصة بعدما وعد المرشح الجمهوري “دونالد ترامب” بجعل الولايات المتحدة “عاصمة البيتكوين”، فيما أشارت منافسته “كامالا هاريس” إلى أنها ستدعم جهود توسع صناعة العملات المشفرة.