الشركات

أبل تضع عوائق أمام متاجر التطبيقات

علنت “أبل” في يناير أنها ستتيح لمستخدمي “أيفون” في أوروبا تنزيل تطبيقات من متاجر أخرى غير متجر “أبل” الرسمي قريباً. كان ذلك تحوّلاً ثورياً فرضه عليها الاتحاد الأوروبي عبر قانون الأسواق الرقمية الشامل الجديد، وهدفه تقليص نفوذ منصات التقنية العملاقة.

لكن حين عرضت “أبل” تفاصيل الخطوة، استخف بها بعض من هم الأجدر بالاستفادة منها. فقد وصف تيم سويني، رئيس “إبيك غيمز” التنفيذي، الفرصة بأنها “مخطط مضاد للتنافسية حافل بالرسوم الثانوية الجديدة”.

وقال رئيس “ميتا بلاتفورمز” التنفيذي مارك زوكربيرغ إن قواعد “أبل” إنها “متطلبة جداً” لدرجة أنه اعتبر أن لا أحد سيقدم على البحث عن نموذج توزيع بديل لتطبيقاته.

لكن يبدو أن زوكربيرغ لم يلتقِ رايلي تيستوت وشين غيل. رأى المطوران، البالغان من العمر 28 عاماً، أن تحول السياسات في “أبل” فرصة لإضفاء الشرعية على الخدمة غير المصرح بها التي صمماها قبل عدة سنوات، ليتيحا للمستخدمين أن يلعبوا ألعاب الفيديو قديمة الطراز على هواتف “أيفون”.

باشر الشابان اللذان يديران شركتهما الناشئة المعتمدة على مواردها الذاتية من شقة يتشاركان المعيشة فيها في دالاس، إجراءات الحصول على موافقة “أبل” للمتاجر التابعة لأطراف ثالثة. وتُقدِّم تجربتهما لمحة عن المسار الذي ينتظر آخرين ممن يتطلعون للاستفادة من التغييرات التي تجريها “أبل”.

سياسات “أبل” وتأثيرها

ستخسر “أبل”، التي كانت عادة تحصل على عمولات تصل إلى 30% على مشتريات متاجر تطبيقات أجهزتها النقالة، كلاً من الإيرادات والنفوذ في جميع جوانب نظام التشغيل “iOS” مع انتشار متاجر التطبيقات البديلة. طرحت الشركة مجموعة معقّدة من السياسات تجاه أي جهة تود أن تقيم متجراً إلكترونياً في الاتحاد الأوروبي، إلى جانب “رسوم تقنية أساسية” تبلغ نصف يورو (54 سنتاً أميركياً) على تثبيت التطبيقات.

قالت “أبل” إن ما تتقاضاه يعكس القيمة التي تقدمها للمطورين عبر الأدوات والتقنيات التي تُمكّنهم من ابتكار التطبيقات ومشاركتها، وإن المئات من أعضاء فريق “أبل” قضوا عشرات آلاف الساعات في تطوير القدرات والإجراءات الوقائية لأنظمتها الجديدة الخاصة بالاتحاد الأوروبي.

قال متحدث باسم الشركة: “إن نهج (أبل) تجاه قانون الأسواق الرقمية كان مدفوعاً بهدفين بسيطين، وهما الامتثال للقانون وتقليص المخاطر المتزايدة الحتمية التي يمثلها ذلك القانون لمستخدمينا في الاتحاد الأوروبي”.

إن كل السياسات التي تتبعها “أبل” في الاتحاد الأوروبي عقّدت الأمور بالنسبة لتيستوت وغيل. قال تيستوت في مقابلة في 5 أبريل، وهي إحدى مقابلتين مع “بلومبرغ بزنيس ويك” خلال الربيع: “لم يكن لدينا فريق محامين يقدم لنا المشورة بشأن الخطوات التي علينا أن نتخذها. كنا نستكشف السبل وحدنا”.

كان تيستوت يتحدث عبر مكالمة من شقة استأجرها من خلال “إير بي إن بي” في كوبنهاغن، إذ كانت إقامته هناك جزءاً من انتقاله إلى أوروبا لمدة شهرين، وهو ما كان ضرورياً للتعامل مع متطلبات “أبل” واختبار متجر “ألت ستور بي إيه إل” (AltStore PAL) المستقل التابع له ولغيل. أضاف: “نود فقط أن نعود إلى بلادنا”.

بدايات “ألت ستور”

تعارف تيستوت وغيل في جامعة جنوب كاليفورنيا أثناء دراسة الأول لعلوم الكمبيوتر والثاني لهندسة الأنظمة. نشأت فكرة “ألت ستور” من قلب خدمة طوّرها تيستوت ليستمتع بألعاب “نينتندو” القديمة.

رفضت “أبل” أن تضيف تطبيقه المسمى “دلتا” (Delta) إلى متجرها، كما هو الحال عادة مع مثل هذه البرامج التي تُعرف باسم المُحاكيات، وسبب ذلك على الأرجح يعود جزئياً إلى مخاوف تتعلق بحقوق النشر.

عمد تيستوت إلى حل التفافي، وهو تطبيق مجاني لكل من “ماك” و”ويندوز” طرحه في 2019، وهو قائم على خداع نظام التشغيل “iOS” بحيث يعتقد أنك مُطوّر برمجيات تختبر برمجياتك.

أتاح ذلك للمستخدمين أن يثبّتوا محاكي “نينتندو” من مركز يشبه المتجر أداره تيستوت، وأن يستمتعوا بلعبة “سوبر ماريو” (Super Mario) على “أيفون”، وكأنما هدف ذلك كله إلى الاختبار فقط.

بحلول 2023، أسفر ذلك النهج، الذي يُعرف عموماً باسم “التحميل المتوازي”، عن أكثر من مليوني تنزيل وعديد من التبرعات عبر “باتريون” (Patreon)، وهي خدمة تتيح لصانعي المحتوى بأن يجمعوا تبرعات من مشجعيهم مباشرة.

لكن إجراءات التحميل والتثبيت كانت مرهقة، إذ كانت صلاحيتها تنتهي كل سبعة أيام، ما يلزم المستخدمين أن يعيدوا توصيل هاتف “أيفون” بكمبيوتر لتجديد عمل التطبيق كمبرمجين. أجبر قانون الأسواق الرقمية “أبل” على أن تقدم مهرباً من هذه الحال الرديئة.

تسجيل الشركة

لقد باشرا من فورهما إجراءات تقديم الطلبات التي تستغرق فترة طويلة لدى “أبل” في مطلع 2024. ألزمت الشركة تيستوت وغيل بأن يكون لهما كيان تجاري أوروبي قانوني، لذا سارعا لتسجيل شركة تابعة، وهي “ألت ستور ليمتد” (AltStore Ltd)، في دبلن تحت مظلة متجرهما “ألت ستور إل إل سي” (AltStore LLC) محدود المسؤولية في الولايات المتحدة.

كما اشترطت “أبل” في البداية أن يحصلا على خطاب اعتماد احتياطي قيمته مليون يورو من مؤسسة مالية مرموقة لتغطية أي مطالبات من الزبائن تنشأ من تشغيل متجر لا تملكه الشركة، وهو طلبٌ دفع غيل لأن يقضي أسابيع في فبراير في السعي وراء مصرفيين حيّرتهم الفكرة لإقناعهم.

بعد ذلك، سافر تيستوت وغيل إلى إيرلندا بعد أن دعتهما “أبل” لحضور جلسات تدريب خاصة لمطوري المتاجر في الاتحاد الأوروبي في أوائل مارس. ثم تحتم عليهما أن ينتظرا توثيق تطبيقاتهما الأولى، وهو شكل من أشكال التقييم البسيط الذي تتطلبه “أبل” لتفحص البرمجيات المتاحة في المتاجر التابعة لأطراف ثالثة بحثاً عن البرمجيات الخبيثة وغيرها من المشاكل الأمنية.

انتقادات لـ”أبل”

لطالما انتقد صانعو البرمجيات الطرق الصارمة والمبهمة عادة التي تنظم بها “أبل” متجرها للتطبيقات “آب ستور” (App Store). يتمتع تيستوت وغيل في الأغلب بحرية تحديد قواعدهما الخاصة لـ”ألت ستور بي إيه إل”، سواء كان ذلك يعني أنها لن تفرض عمولة على التطبيقات التي تُباع عبره أو أنها ستسمح بمحاكيات ألعاب الفيديو مثل الذي رفضته “أبل” على نظامها.

مؤكد أن “ألت ستور” سيضم تطبيق “دلتا”، كما أنه سيضم “كليب” (Clip)، وهو تطبيق حافظة لإدارة سجل النسخ واللصق بأكمله للنصوص والصور وما إلى ذلك. قال تيستوت: “لا تسمح (أبل) بالتطبيق على متجرها. لا يوجد سبب تقني، هي لا ترغب به فحسب”. قالت “أبل” إنها تسمح بتطبيقات إدارة المحافظ طالما أن وظائفها لا تُعرّض بيانات المستخدمين للخطر.

ربما تكون أكبر مشكلة يواجهها “ألت ستور” هي الرسوم التقنية الأساسية السنوية لـ”أبل” والبالغة نصف يورو، وهي ما سيضطر المتجر لدفعها مقابل كل تنزيل لـ”ألت ستور بي إيه إل”. ستفرض “أبل” رسوماً أخرى قدرها نصف يورو سنوياً مقابل كل عملية تثبيت أو تحديث لتطبيق يوزّع من خلال “ألت ستور” حين يتجاوز عدد المستخدمين المليون.

قرر تيستوت وغيل في نهاية المطاف أن يبيعا “ألت ستور بي إيه إل” على المتجر مقابل 1.5 يورو سنوياً، ثم طرح “دلتا” دون مقابل، وذلك لتغطية الرسوم والتكاليف الإضافية للخوادم والتعامل مع المدفوعات. تبلغ تكلفة تطبيق “كليب” يورو إضافياً.

تحول مفاجئ

في 2 مايو، وبعد انتقادات تتعلق بضرائبها على المتاجر التابعة لأطراف ثالثة، قالت “أبل” إنها ستمنح صغار المطورين مهلة ثلاث سنوات لا تتقاضى خلالها رسوماً، طالما كانت إيراداتهم السنوية عالمياً أقل من 10 ملايين يورو.

قالت علامات تجارية كبرى أخرى مثل “سبوتيفاي تكنولوجي”، التي تمثل تهديداً أكثر إلحاحاً لخدمات “أبل” الأساسية، إنه يتعذر تبرير تلك الرسوم لقاعدة مستخدميها البالغة نحو 100 مليون في الاتحاد الأوروبي. قالت “إبيك غيمز” إنها تعتزم إطلاق متجر ألعاب خاص بها على نظام “iOS”، رغم أنها أبدت حيرتها بشأن كيفية عمل الجوانب الاقتصادية.

فيما انتظر تيستوت وغيل موافقات “أبل”، قرّر صاحبا “ألت ستور” أن يسافرا من إيرلندا إلى بلجيكا وألمانيا والدنمارك للتسلية وزيارة المعالم السياحية. كانا ينتظران دورهما لركوب لعبة في مدينة الملاهي “تيفولي غاردنز” (Tivoli Gardens) الشهيرة في وسط مدينة كوبنهاغن خلال أبريل حين تلقّيا إشعاراً مذهلاً على الهاتف مفاده أن “أبل” أعلنت أنها ستلغي حظرها على محاكيات ألعاب الفيديو القديمة.

أنهت هذه الخطوة، التي لم تفسرها “أبل”، القيود التي سرت لسنوات على مستوى العالم. كما أنها قضت بشكل أو بآخر على مبرر “ألت ستور” كوسيلة لتنزيل تطبيق “دلتا” فيما كانا يتأهبان فيه لطرحه.

لكن غيل وتيستوت قررا أن يتمسكا بخطتهما الأوروبية. ففي نهاية المطاف، كانا يرغبان بطرح “كليب” والترحيب بتطبيقات مستقبلية في “ألت ستور” لم تسمح بها “أبل”.

خطوات معقدة

إن الوصول إلى “ألت ستور”، الذي طُرح في 17 أبريل، يُعتبر كابوساً. تجعل قيود “أبل” المستخدمين يتعاملون مع سلسلة خطوات معقدة ويواجهون عدة تحذيرات مقلقة قبل تنزيله. قالت الشركة إن كل قواعدها لتشغيل متاجر بديلة هدفها حماية المستخدمين في الاتحاد الأوروبي من السلوكيات المؤذية على نظام (iOS).

تشير تقديرات تيستوت إلى أن 100 ألف مستخدم في الاتحاد الأوروبي نزلوا “ألت ستور”.

قدّم تيستوت وغيل تطبيق “دلتا” بشكل منفصل إلى “أبل” لمراجعته في متجرها على نظام (iOS) خارج أوروبا، للتأكد من أن التطبيق لن تطغى عليه محاكيات أخرى في بقية أنحاء العالم. سرعان ما أضحى المحاكي أفضل تطبيق مجاني لهاتف “أيفون” في الولايات المتحدة، متفوّقاً بذلك على “تيك توك” و”واتساب”. بيّن ذلك أنه كان هناك على الأرجح طلب كبير على مثل ذلك التطبيق لسنوات.

قال تيستوت وغيل إن “أبل” كانت تخنق الإبداع عبر إجراءات الموافقة الخاصة بمتجر “آب ستور” العادي، لكنهما يقولان إنهما من محبي الشركة، ويعتقدان أن استعدادها لأن تسمح بوجود متاجر التطبيقات المملوكة لأطراف ثالثة، حتى لو كان ذلك ببعض الفتور، أمر جيد.

بعدما احتل تطبيق “دلتا” مركز الصدارة على متجر “أبل” على مستوى الولايات المتحدة، خسر التطبيق صدارته أخيراً في مطلع مايو بعد أن احتلّ مكانه تطبيق جديد من “كريسبي كريم” (Krispy Kreme) يُقدّم كعك الدونت دون مقابل لأي شخص يشارك في برنامج المكافآت لديها. علّق تيستوت: “يصعب أن نتنافس مع ذلك”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى